الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ في العلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري للموظف بالتطبيق علي العاملين بشركات تعهيد الأعمال بالقرية الذكية – مصر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

كلية التجارة ـ جامعة المنصورة

المستخلص

هدفت الدراسة الحالية إلى اختبار التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لمناخ الابتكار ببعديه دعم الابتكار وتوفير الموارد على السلوك الابتكاري للموظفين من خلال توسيط تحمل مخاطرة الخطأ على المستوى الفردي. تم اختبار هذه العلاقات باستخدام عينة من 379 موظفًا بدوام كامل من 34 شركة تعهيد أعمال في القرية الذكية، مصر. وقد أظهرت نتائج الدراسة وجود تأثيراً معنوياً ايجابياً مباشرأ لبعدي مناخ الابتكار (دعم الابتكار وتوفير الموارد) على تحمل مخاطرة الخطأ. كما أظهرت النتائج تأثيراً ايجابياً معنوياً لتحمل مخاطرة الخطأ على سلوك الابتكاري. بالإضافة إلي ذلك، تدعم النتائج معنوياً الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ بين مناخ الابتكار وسلوك الابتكاري.
 

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


إن ما تشهده بيئة الأعمال اليوم من التغير المستمر والتنافسية العالية وعدم التأكد بمثابة عوامل ضغط على المنظمات تدفعها نحو الابتكار كوسيلة حاسمة لتمييز منتجاتها وخدماتها عن المنافسين وكأداة للتحسين المستمر والمحافظة على الميزة التنافسية في بيئة الأعمال المتغيرة (Park & Jo, 2018). أحد أهم السبل لتحقيق الابتكار في المنظمات هو تشجيع الموظفين أنفسهم ليكونوا أكثر ابداعاً وابتكاراً (Agarwal, 2014). وفي هذا السياق تظهر أهمية توفير المناخ الابتكاري حيث تعتمد المنظمات والمديرين علي تطوير مناخ عمل داخلي يدعم ويحفز الابتكار (Newman, Round, Wang, & Mount, 2020). فتحاول المنظمات توفير العوامل الإجتماعية والبيئية التي تدعم الإبتكار مثل رعاية الموظفين، أجواء عمل ممتعة، إتصالات مفتوحة، دعم عاطفي ووظيفي من المشرفين للموظفين، إستعداد الموظفين لتبادل الأفكار والخبرات والمسئوليات في العملية الإبداعية، والتوجه نحو المخاطر (Ghosh, 2015). وتحديداً علي المستوي الفردي، فإن مناخ الإبتكار يعكس إدراك الموظفين لهذه العوامل وتصوراتهم الفردية لمدي دعم المنظمة للإبتكار ومدي كفاية الموارد التي تقدمها المنظمة في سبيل ذلك (Park & Jo, 2018; Scott & Bruce, 1994).

وبرغم إعتراف الدراسات السابقة بأهمية مثل هذا المناخ الداعم للإبتكار في تشجيع السلوك الإبتكاري للموظف (Newman et al., 2020; Scott & Bruce, 1994) - والذي يعرف علي أنه السلوك المتعمد والمبادر من الموظفين في توليد وتقديم وتطبيق الأفكار الجديدة والمفيدة لتعزيز الأداء علي سواء علي المستوي الفردي أو الجماعي أو التنظيمي (AlEssa & Durugbo, 2021; Bos-Nehles et al., 2017; De Jong & Den Hartog, 2008) - إلا أنه ما زال هناك حاجة لفهم آلية تأثير مناخ الإبتكار علي السلوك الإبتكاري من خلال إختبار العوامل الوسيطة التي تساهم في تفسير هذه العلاقة. ولذلك، تهدف هذه الدراسة إلي تسليط الضوء علي الآلية الكامنة وراء العلاقة بين مناخ الإبتكار والسلوك الإبتكاري من خلال إختبار الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ، والذي يعرف علي أنه الإستعداد للتصرف وأخذ قرارات جريئة لتحقيق الأهداف برغم إحتمال حدوث الأخطاء (Rybowiak et al., 1999; Tjosvold & Yu, 2007).

بالذات وأن الابتكار بطبيعته ينطوي على عدم اليقين والذي يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأخطاء (Jalonen, 2012; Lei, Naveh, &Novikov, 2016). ومن ثم، يجب أن يكون الموظفون على استعداد للمخاطرة بارتكاب بعض الأخطاء من أجل الانخراط في سلوكيات ابتكارية، ولتقليل خوف الأفراد من ارتكاب الأخطاء، يجب أن يشعروا أن المناخ التنظيمي متسامح مع هذه الأخطاء في سبيل تحقيق هدف أعلي وهو الابتكار، وفي هذا الصدد يعرف تحمل مخاطرة الخطأ علي أنه الاستعداد للتصرف وأخذ قرارات جريئة لتحقيق الأهداف برغم احتمال حدوث الأخطاء (Rybowiak et al., 1999; Tjosvold & Yu, 2007). وهذا ما دفع البحث الحالي للتركيز علي دور تحمل مخاطرة الخطأ كوسيط يشرح العلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري للموظف.

وبناءً علي ما تقدم، تنوي الدراسة تقديم عدة مساهمات علمية جديدة من خلال: أولاً: الاستجابة لتوصيات الدراسات السابقة الحديثة في تسليط الضوء على عملية الابتكار علي المستوى الفردي للموظف (AlEssa & Durugbo, 2021; Bos-Nehles & Veenendaal, 2019; Bos-Nehles et al., 2017) حيث أنها لم تحز الاهتمام الكافي حتى الآن.  ثانياً: توضيح التأثير المباشر لمناخ الابتكار على إقدام الموظفون على تحمل مخاطرة الخطأ وكذلك التأثير المباشر لتحمل مخاطرة الخطأ على السلوك الابتكاري للموظف. ثالثاً: تقديم تفسير جديد للآلية التي تفسر تأثير مناخ الابتكار على لسلوك الابتكاري من خلال اختبار الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ.

وبناءً على ذلك تكمن تساؤلات الدراسة في:

1)     ما تأثير بعدي مناخ الابتكار (دعم الابتكار، وتوفير الموارد) على كل من تحمل مخاطرة الخطأ والسلوك الابتكاري للموظف؟

2)     ما تأثير تحمل مخاطرة الخطأ على السلوك الابتكاري للموظف؟

3)     ما طبيعة التأثير غير المباشر لبعدي مناخ الابتكار على السلوك الابتكاري للموظف عند توسيط تحمل مخاطرة الخطأ ؟

بالاضافة الى المساهمة العلمية، تعتبر الدراسة ذات أهمية عملية حيث أن شركات تعهيد الأعمال من أكثر الشركات احتياجاً إلى الإبداع حيث طبيعة عملها المتخصصة تجعلها في احتياج إلى موظف يتسم بالمرونة والقدرة على تقديم أفكار إبداعية. خاصةً وأن صناعة التعهيد في جمهورية مصر العربية لها أهمية خاصة باعتبار أنها من الأسواق الناشئة والجاذبة للشركات الكبيرة التي تبحث عن خدمات التعهيد. وفقًا لتقرير تم إعداده بالتعاون بين الاتحاد الألماني للتعهيد ووكالة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA)[1]، فقد تم زيادة إجمالي إيرادات تكنولوجيا المعلومات (بما في ذلك خدمات تعهيد الأعمال) إلى 4.28 مليار دولار في عام 2018 ووصلت إلى 5.5 مليار دولار في عام 2020 ،بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13٪. ومن المتوقع أن يظل قطاع تعهيد الأعمال - الذي يوفر خدمات تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من مصر للعملاء الدوليين - قوياً خلال السنوات القادمة حيث قُدرت عائدات تعهيد الأعمال بنحو 2 مليار دولار في عام 2017 ، وتوسع إلى ما يقرب من 3.14 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020 بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 16.3٪ ليكون أحد أهم المساهمين في نمو تكنولوجيا المعلومات بحلول عام 2020 في مصر.

كما تمت الإشارة في هذا التقرير إلى أن مصر تتمتع بمزيج فريد من الصفات التي تجعلها واحدة من أكثر الوجهات جاذبية لتكنولوجيا المعلومات وخدمات التعهيد على مستوى العالم. على سبيل المثال ، موقعها في وسط العالم، والتوافق الثقافي، والقرب المادي. وعلى وجه التحديد القوى العاملة الموهوبة وذات التكلفة المنخفضة. بالإضافة إلى ذلك ، تثني الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مصر على المستويات العالية من الجودة والابتكار للموظفين في تقديم الخدمات والقدرة على تطوير مبادرات عمل جديدة. تزدهر ساحة الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات في مصر، مدعومة بمواهبها الفريدة، والعديد من قصص النجاح للشركات الصغيرة التي تؤمن استثمارات بملايين الدولارات من أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط ونجحت في نقل خدمات تكنولوجيا المعلومات إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. مما دفع الدراسة الحالية الى التركيز على شركات تعهيد الأعمال في القرية الذكية، مصر. يأتي إختيار القرية الذكية تحديداً لأنها تأسست في مصر عام 2001 لتكون نواة لبناء وتنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات. وحاليًا تمثل القرية الذكية أكبر مجتمع أعمال في مصر يستوعب الشركات متعددة الجنسيات والمحلية، والهيئات الحكومية والمالية، والمنظمات والمؤسسات التعليمية ومراكز البحث والتطوير التي تقدم خدمات كاملة[2].

 

أولاً: الإطار النظري وبناء فروض الدراسة:

  1. مناخ الابتكار وتحمل مخاطرة الخطأ:

يشير المناخ بشكل عام إلى خصائص بيئة العمل التي يدركها الموظفون بشكل مباشر أو غير مباشر وتؤثر على سلوكهم ومواقفهم في العمل (Ostroff, Kinicki, & Tamkins, 2003; Zuraik & Kelly, 2019). وعلي الرغم من أن الأفراد في المنظمة يتعرضون لنفس الظروف البيئية إلا أن أنهم يختلفون في تصوراتهم وإستجاباتهم لتلك الظروف، ويرجع ذلك الاختلاف إلى عدة أسباب: أولها: اختلاف القيم من شخص لأخر، وبالتالي تختلف توافقات هذه القيم الفردية مع المناخ. ثانياً: كل فرد لدية مِزاج وعواطف وعمليات داخلية مختلفة معرفياً ووجدانياً عن غيره. وأخيراً: ليس فقط الاختلافات بين الأفراد بل الاختلافات في كيف يُعامل كل فرد من قِبل المنظمة ومن قِبل مديرينه المباشرين (Kruft, Gamber, & Kock, 2018). ولذلك يفرق الباحثون بين التصورات الشخصية الفردية للمناخ وهو ما يسمي بـ "المناخ النفسي" وبين التصورات المشتركة الناتجة عن تجميع هذه التصورات الفردية إلي المستوي التنظيمي وهو ما يسمي بـ "المناخ التنظيمي" (James et al., 2008). تهتم الدراسة الحالية بالمناخ علي المستوي الفردي والذي يصف البيئة النفسية اليومية والجو العاطفي الذي يؤثر على سلوك الأفراد (Minh Ngoc & Cliquet, 2019).

ومن ثم يعكس مناخ الابتكار -علي المستوي الفردي أو النفسي- الخبرة المعرفية للموظف وإدراكه لبيئة الابتكار المتوفرة في المنظمة (Zhang, Zheng, & Darko, 2018)، وإلي أي مدى تشجع الإجراءات والسياسات والسلوكيات في المنظمة علي تقديم الأفكار الجديدة وتنفيذها (Mehmood, Jian, & Waheed, 2019). كما يعرف مناخ الابتكار علي أنه تصور الموظف لدرجة دعم المنظمة وتشجيعها لأخذ زمام المبادرة لاستكشاف الأفكار الابداعية التي تعزز الابتكار داخل المنظمة (Agnihotri, Yang, & Briggs, 2019; Chan & Liu, 2012; Chan, Liu, & Fellows, 2014).  والجدير بالذكر أنه في ظل مناخ الابتكار يعتقد الموظفون أن المنظمة تشجع السلوك الابتكاري وتعمل علي تقليل المخاطر المرتبطة به (Guo & Jin, 2019) كما أنها ستكافئ مثل هذا السلوك الابتكاري (Kermani & Solhdoost, 2016). ويتكون مناخ الابتكار من بعدين وهما: أولاً: دعم الابتكار ويعبر عن تصورات الموظفين عن مدي دعم المنظمة للأفكار الجديدة وانفتاحها علي التغيير ومدي تقبل التنوع والاختلافات بين الأفراد في المنظمة. وثانياً: توفير الموارد ويعبر عن مدى كفاية الموارد التي توفرها المنظمة للإبتكار مثل توفير الوقت للعمل علي الأفكار الجديدة (Park & Jo, 2018; Scott & Bruce, 1994).

عندما يدرك الموظفون أن المناخ التنظيمي يشجع الابتكار، فإنهم عادة ما يحاولون الإمتثال والتصرف وفقًا لذلك وبالتالي سيحاولون التصرف بشكل مبتكر (Kang et al., 2015). وبالتالي يعتبر الابتكار أحد أهداف الموظف التي تجعله يخاطر بإرتكاب بعض الأخطاء في سبيل تحقيق ذلك الهدف وهذا ما يعرف بتحمل مخاطرة الخطأ، يقدم كل من Rybowiak, Garst, Frese, & Batinic (1999) تفسيرين متكاملين لمفهوم تحمل مخاطرة الخطأ ويتمثلان في: أولاً: أنه يَنتُج في حالة التوجه العالي نحو الإنجاز الذي يدفع الأفراد إلى قبول حدوث الأخطاء لتحقيق أهداف أعلى. وثانياً: أنه يعكس مرونة عامة وانفتاح في التعامل مع الأخطاء، مما يجعل الأفراد مستعدين للتكيف مع ظروف العمل الجديدة وتحمل المسؤولية بغض النظر عن احتمالية حدوث الأخطاء. وفي هذا السياق يمثل الابتكار الهدف الأعلي الذي يجعل الأفراد يتعاملون مع الأخطاء التي تحدث في سبيل تحقيق هذا الهدف بمرونة وانفتاح تمكنهم من الاستمرار والتطوير وتحقيق الهدف.

لكن تعتبر الأخطاء بشكل عام حالة غير مرغوب فيها لأنها تمثل انحرافات عن الهدف كان من الممكن تجنبها وبالتالي فإنها قد تسبب التوتر والإحراج للموظفين (Zhao & Olivera, 2006). كما أن اكتشاف الأخطاء غالباً ما يحتاج إلي مراجعة خارجية وبالتالي تسبب أيضاً الأخطاء مشاعر سلبية لمرتكب الخطأ مثل الخزي والشعور بالذنب والغضب والخوف من فقدان ماء الوجه وما إلى ذلك (Rausch, Seifried, & Harteis, 2017). وبالتالي لن يقدم الموظف علي تحمل مخاطرة الخطأ إلا إذا شعر أن المناخ التنظيمي مرن في التعامل مع الأخطاء التي تحدث من أجل تحقيق الابتكار وهذا هو دور مناخ الابتكار.

وأكدت الدراسات السابقة على الدور الهام مناخ الابتكار في تحفيز الموظفين لتحمل المخاطر في العمل (Parzefall, Seeck, & Leppänen, 2008; Sönmez & Yıldırım, 2019). ويقترح هذا البحث أن مناخ الابتكار يحفز نوع خاص من تحمل المخاطر وهو تحمل مخاطرة الخطأ. فمناخ الابتكار هو مناخ آمن يقلل من التهديدات النفسية للموظفين (Parzefall et al., 2008) وبالتالي يعمل على تقليل خوف الموظفين من المخاطر النفسية المترتبة علي إرتكاب الأخطاء مثل الشعور بالذنب أو فقدان ماء الوجة. كما أن مناخ الابتكار يوفر بيئة داعمة للموظف ليكون أكثر مرونة وانفتاحاً في مواجهة الأخطاء، وبالتالي يمكن للموظف استخدام الأخطاء لتوليد نتائج مبتكرة (Zuraik & Kelly, 2019). وعلى النقيض، إذا شعر الموظف بأن البيئة غير داعمة له في مواجهة الأخطاء فإن الأخطاء تكون مكروهة (Park & Jo, 2018; Yuan & Woodman, 2010) وبالتالي سيتصرف الموظف بتحفظ ليتجنب الأخطاء ولن يتحمل مخاطرة الخطأ. وبناء علي ذلك يمكن صياغة الفرض التالي:

الفرض الأول (H1): يوجد تأثير معنوي ايجابي لمناخ الابتكار علي تحمل مخاطرة الخطأ.

(H1a): يوجد تأثير معنوي ايجابي لدعم الابتكار علي تحمل مخاطرة الخطأ.

(H1b): يوجد تأثير معنوي ايجابي لتوفير الموارد علي تحمل مخاطرة الخطأ.

  1. تحمل مخاطرة الخطأ والسلوك الابتكاري للموظف:

يرتبط الابتكار ارتباطاً وثيقاً بعدم التأكد حيث يتعامل الفرد مع المجهول مما يؤدي إلى احتمال حدوث العديد من الأخطاء والانحرافات (Jalonen, 2012). ومع ذلك فإن الأخطاء ليست دائماً سيئة؛ حيث يمكن اعتبارها جزءًا ضروريًا من عملية النمو (Foster, 2010; Jalonen, 2012). لذلك، من المتوقع حدوث أخطاء أثناء تقديم ابتكارات و تطوير المنتجات أو العمليات أو الخدمات (Frese & Keith, 2015). كما يمكن القول أن الابتكار هو عملية من التجربة والخطأ (Ortt & Smits, 2006). ومن ثم، فإن الموظفين الذين لديهم نية لتحمل مخاطر الخطأ سيشاركون بشكل أكبر في عملية الابتكار.

يتضمن السلوك الابتكاري عدة أنشطة أساسية وهي استكشاف وإنتاج الأفكار الابتكارية، ثم مناصرة هذه الأفكار، وأخيراً التطبيق (De Jong & Den Hartog, 2010). واشتراك الموظف في واحدة أو أكثر من هذه الأنشطة يعتبر مشاركة في السلوك الابتكاري (Scott & Bruce, 1994). وتجادل الدراسة الحالية أن تحمل مخاطرة الخطأ يشجع الموظفين علي المشاركة في هذه الأنشطة الابتكارية المختلفة.

ففي المرحلة الأولي للسلوك الإبتكاري يقوم الموظف بإستكشاف وتوليد الأفكار الإبتكارية. والموظفين الذين لديهم الجرأة علي تحمل مخاطرة الخطأ سيكونون أكثر انخراطاً في هذه الأنشطة، حيث أن تحمل مخاطرة الخطأ يعكس توجة عالي نحو الإنجاز (Rybowiak et al., 1999) والذي بدوره يحفز الموظفين على استكشاف الأفكار الجديدة وتوليدها. بالإضافة إلي ذلك، يمكن أن تكون الأخطاء مصدرًا للفرص والأفكار الابتكارية أثناء المراحل الأولى من الابتكار (De Jong & Den Hartog, 2010) ولكن فقط الموظفين الذين لديهم عقلية مرنة ومستعدة للتعامل بإيجابية مع الأخطاء يمكنهم تطوير ابتكارات من الأخطاء العرضية والنتائج غير المتوقعة (Frese & Keith, 2015).

بعد أن يصل الموظف إلي فكرة ابتكارية فإنه سيحتاج إلي الإعلان عن هذه الفكرة ومناصرتها، وفي هذه المرحلة فإن تحمل مخاطرة الخطأ تعكس استعداد الفرد لتحمل المسؤولية والمبادرة (Rybowiak et al., 1999) وبالتالي سيجعل لديه ما يكفي من الشجاعة والطاقة للتعبير عن هذه الأفكار الجديدة ومناصرتها. ثم في مرحلة التنفيذ فإنه ارتكاب الأخطاء مهم لإيجاد نقاط الضعف والتغلب عليها (Frese & Keith, 2015). كما يرتبط تحمل مخاطرة الخطأ بالقدرة علي التكيف والمرونة (Rybowiak et al., 1999) وبالتالي حتي في حالة حدوث انحرافات وأخطاء أثناء تنفيذ الابتكارات، سيؤدي ذلك إلى سرعة تعلم الأفراد من هذه الأخطاء، لأن الانفتاح والمرونة تجعل الأفراد يتخلون عن السلوك الدفاعي ويركزون علي المهام المطلوبة (Arenas, Tabernero, & Briones, 2006). علاوة على ذلك، عندما يتفاعل الأفراد بعقلية منفتحة تزيد لديهم القدرة علي تطوير حلول مبتكرة كما يمكنهم التعافي من الأخطاء والمشاكل (Tjosvold & Yu, 2007). وبناء علي ذلك تفترض الدراسة الحالية أن الموظفين الذين يتحملون مخاطرة الخطأ سوف يتصرفون بشكل مبتكر.

الفرض الثاني (H2): يوجد تأثير معنوي ايجابي لتحمل مخاطرة الخطأ علي السلوك الابتكاري في العمل.

  1. مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري للموظف:

لتغزيز السلوك الابتكاري للموظف لابد للمنظمة من بناء مناخ ابتكاري يدعم تحمل المخاطرة ويشجع الموظفين علي أخذ زمام المبادرة (Sönmez & Yıldırım, 2018). وبناء علي ذلك فقد وجدت الدراسات السابقة أن مناخ الابتكار ضروري لتحفيز السلوك الابتكاري (Newman et al., 2020). وكما سبق الذكر يتضمن السلوك الابتكاري أنشطة متنوعة تبدأ بإلاستكشاف ثم الإنتاج ثم المناصرة وأخيراً التطبيق (De Jong & Den Hartog, 2010). ويلعب مناخ الابتكار دوراً أساسياً لتشجيع الموظفين علي المشاركة في هذه الأنشطة الابتكارية.

يتضمن النشاط الابتكاري في البداية اسكتشاف الأفكار، ويعني التفكير في المنتجات والخدمات والعمليات الحالية بطرق بديلة من أجل تحسينها أو لحل مشكلة ما بها. وبعد ذلك يقوم الفرد بإعادة تنظيم المعلومات ومقارنتاها بالوضع الحالي من أجل توليد أفكار جديدة (De Jong & Den Hartog, 2010). وفي هذه المرحلة يُزيد مناخ الابتكار من توقعات الموظف الايجابية عن النتائج المتوقعة للقيام بتلك الأنشطة والسلوكيات الابتكارية (Scott & Bruce, 1994). فعلي سبيل المثال، يتوقع الموظف أن المنظمة ستدعم وتكافئ هذا السلوك سواء مالياً أو غير مالياً - مثل نشر اسم الموظف في الأخبار الخاصة بالمنظمة كدليل علي الإحتفاء والتقدير (Kermani & Solhdoost, 2016; Park & Jo, 2018). وفي المنظمات الريادية، قد وجد كل من Kang, Matusik, Kim, and Phillips (2016) أن مناخ الابتكار يجعل لدي الموظف الشغف للتجريب والإختراع ويزيد من المشاعر الايجابية التي ينشدها الموظف من خلال ابتكار منتجات أو خدمات جديدة. وهذا الشعور مهم جداً في مرحلة استكشاف وتوليد الأفكار الابتكارية. بالإضافة إلي ذلك، يزيد مناخ الابتكار من شعور الموظف بالحرية والأمان لتجريب الأفكار حيث يتوفر الوقت اللازم للعمل علي هذه الأفكار (Liu, Chow, Zhang, & Huang, 2019).

وبمجرد الوصول لفكرة ابتكارية يحاول الموظف صاحب الفكرة زيادة احتمالية تحقيق الفكرة من خلال مناصرتها ودعمها. وتتطلب مناصرة الفكرة التحدث والتعبير عن الفكرة الجديدة والترويج لها، بالإضافة إلى مقاومة التغيير المتوقع من الأطراف المعنية والتغلب عليها لتعظيم قبول الفكرة (De Jong & Den Hartog, 2010; Kark & Carmeli, 2009). وفي هذه المرحلة يعمل مناخ الابتكار علي فتح قنوات اتصال وتسهيل التعاون بين الأفراد ذوي خبرات مختلفة وهذا بدوره يسهل من تقديم وتطوير الأفكار الجديدة (Zuraik & Kelly, 2019). وأخيراً لكي يتم تطبيق الفكرة الابتكارية يحتاج الموظف إلي توفير الدعم والموارد اللازمة (De Jong, Parker, Wennekers, & Wu, 2011). وهذا ما يوفره مناخ الابتكار الداعم، حيث بالإضافة إلي الدعم التنظيمي يعمل المناخ علي توفير الوقت والموارد الي يحتاجها الموظف لتنفيذ أفكاره (Park & Jo, 2018; Scott & Bruce, 1994). وكذلك، يزيد مناخ الابتكار مرونة الموظف في التعامل مع احتمالات عدم نجاح تنفيذ الفكرة الابتكارية كما يجعله يقدم علي تحمل المخاطر المرتبطة بفشل تنفيذ الابتكار(Parzafall et al., 2008; Guo & Jin, 2019; Liu, Chow, Zhang, & Huang, 2019; Afsar and Umrani, 2019).

وعلي العكس من ذلك، فعدم ادارك الموظف لمناخ الابتكار الداعم يجعل لديه توقعات سلبية عن النتائج المترتبة علي السلوك الابتكاري وبالتالي لن يقدم علي إستكشاف وتوليد الأفكار. وحتي إن كان لدي الموظف بعض الأفكار الابتكارية فإنه لن يقدم علي الإفصاح عن هذه الأفكار خوفاً من رد فعل الزملاء والمديرين مثل اللوم المبكر أو السخرية من الأفكار. هذا بالإضافة إلي الخوف من الفشل وبالتالي لن يقدم علي تنفيذ الأفكار حيث سيؤدي الفشل إلي عواقب غير مرغوبة مثل العقاب (Khalili, 2016).

بناء علي ذلك يحاول البحث الحالي تقديم مزيد من الأدلة علي العلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري للموظف من خلال تقديم الفرض التالي:

الفرض الثالث (H3): يوجد تأثير معنوي ايجابي لمناخ الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف.

(H3a): يوجد تأثير معنوي ايجابي لدعم الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف.

(H3b): يوجد تأثير معنوي ايجابي لتوفير الموارد علي السلوك الابتكاري للموظف.

  1. الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ:

علي الرغم من مناقشة الدراسات السابقة للعلاقة المباشرة بين مناخ الابتكارو السلوك الابتكاري للموظف – تم مناقشتها في الفرض السابق – إلا أن العلاقة غير المباشرة بينهما مازلت تحتاج إلي مزيد من الاختبار. جادلت الدراسات السابقة أن العلاقة غير المباشرة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري تتم من خلال الدور الوسيط لشغف الإختراع (Kang et al., 2016) و السلوك الإستباقي للموظف (Park & Jo, 2018) والإستقلال (Sönmez & Yıldırım, 2019). وتحاول الدراسة الحالية الإضافة إلي فهم هذه العلاقة غير المباشرة من خلال اختبار الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ.

نقترح في هذه الدراسة أن إحدى الآليات التي تكمن وراء العلاقة بين مناخ الابتكار وقدرة الموظفين علي المشاركة في سلوكيات عمل مبتكرة هي شجاعتهم وإقدامهم على تحمل مخاطر الخطأ. وبناء علي ما تم افتراضة سابقاً من أن مناخ الابتكار يزيد من إقدام الموظف علي تحمل مخاطرة الخطأ حيث يتعلمل مع الأخطاء بمونة وانفتاح (H1)، والذي من المتوقع أن يؤثر  ايجابياً علي المشاركة في أنشطة الابتكار المختلفة (H2)، وبالإضافة إلي العلاقة المباشرة المفترضة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري (H3) نقترح الفرض التالي:

الفرض الرابع (H4): يوجد تأثير معنوي غير مباشر لمناخ الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف عن توسيط تحمل مخاطرة الخطأ.

(H4a): يوجد تأثير معنوي غير مباشر لدعم الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف عن توسيط تحمل مخاطرة الخطأ.

(H4b): يوجد تأثير معنوي غير مباشر لتوفير الموارد علي السلوك الابتكاري للموظف عن توسيط تحمل مخاطرة الخطأ.

وبناءً على ما تقدم من عرض للعلاقات بين متغيرات الدراسة، فإن الإطار المفاهيمي لهذه المتغيرات يمكن توضيحه في الشكل (1)

 

 

 

 

 

 


شكل (1):

الإطار المفاهيمي لمتغيرات الدراسة

ثانياً: طريقة البحث:

تتبني هذه الدراسة فلسفة بحثية ما بعد الوضعية حيث أن مفاهيم الدراسة موجودة في الواقع ويمكن قياسها بشكل موضوعي والتحقيق من العلاقات فيما بينها. كما لا يمكن اعتبار النتائج مؤكدة حتماً لأن البشر متحيزون بطبيعتهم في إدراكهم للواقع ومن الممكن فقط تقييم النتائج من خلال اختبار الفرضيات المنافسة (Schlegel, 2015). وبناءً على ذلك، استخدمت هذه الدراسة منهجية كمية معتمدةً علي بيانات مقطعية غير تجريبية. يتماشى هذا النهج الكمي مع اهتمام الدراسة ببناء الفروض إعتماداً علي الدراسات السابقة بالإضافة إلى تركيزها على العلاقات الإحصائية بين متغيرات الدراسة. وبناء علي ذلك يتم عرض الخيارات المنهجية للبحث من خلال النقاط التالية:

  1. مجتمع وعينة الدراسة:

يتكون مجتمع الدراسة من جميع العاملين بدوام كامل في شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات  التي تعمل في مجال تعهيد الأعمال في القرية الذكية، مصر. والذين يبلغ عددهم 8664 موظفًا موزعين على 34 شركة. وفقاً لـ Saunders et al. (2016) فإن حجم العينة المناسب عند مستوى ثقة 95% وحدود خطأ + 5% هو 384 موظف. إستخدمت الدراسة عينة عشوائية بسيطة موزعة بالتناسب مع حجم كل شركة. تم الحصول على البيانات باستخدام قائمة إستبيان يملؤها الموظف بنفسه، كما تم تجميع البيانات عن طريق إدارة الموارد البشرية في هذه الشركات. بلغ عدد الاستجابات الصالحة 379 إستجابة.

من بين الاستجابات الصالحة، بلغت نسبة الذكور 55.1% وبلغت نسبة الإناث 44.9%. كما أن معظم المشاركين من الشباب حيث أن أكثر من 75% من المشاركين تقل اعمارهم عن 35 سنة. أما بالنسبة للمستوي التعليمي، كان 86.5% حاصلين علي الدرجة الجامعية الأولي و 11.9 حاصلين علي درجة الماجستير و 1.6% حاصلين علي درجة الدكتوراه. أما بالنسبة للخبرة، فإن 38,8% من المستجيبين لديهم خبرة عملية أقل من خمس سنوات، و30,3% تتراوح خبرتهم من خمس إلي أقل من عشر سنوات، و 20,3% تتراوح خبرتهم من عشرة إلي أقل من خمسة عشر سنة، و10,6% تزيد خبرتهم العملية عن خمسة عشر عاماً. للإطلاع علي البيانات الديموغرافية المفصلة أنظر جدول رقم (1).

  1. قياس متغيرات الدراسة:

اعتمدت الدراسة على مقاييس تم استخدامها مسبقاً وأثبتت صدقها وثباتها في قياس المتغيرات المقصودة. تمت ترجمة المقاييس من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية ثم اعادتها إلي اللغة الإنجليزية مرة أخري لتقييم هل تعكس الترجمة المعنى المطلوب بالتحديد (Behling & Law, 2000). تم قياس المتغيرات اعتماداً علي مقياس ليكرت الخماسي والتي تقع في مستويات تتراوح بين موافق تماماً (5) إلى غير موافق إطلاقاً (1). وفيما يلي عرض مقاييس متغيرات الدراسة:

جدول (1):

البيانات الديموغرافية لعينة الدراسة (379 مفردة)

المتغير

العدد

النسبة

النوع:

  • ذكر

209

55.1

  • أنثي

170

44.9

العمر:

  • أقل من 25 عاماً

93

24.5

  • من 25 لأقل من 30 عاماً

90

23.7

  • من 30 لأقل من 35 عاماً

107

28

  • من 35 لأقل من 40 عاماً

49

13.2

  • من 40 لأقل من 45 عاماً

18

4.7

  • أكثر من 45 عاماً

22

5.8

التعليم:

  • شهادة جامعية أولي

328

86.5

  • درجة الماجستير

45

11.9

  • درجة الدكتوراه

6

1.6

الخبرة المهنية:

  • أقل من 5 سنوات

147

38.8

  • من 5 إلي أقل من 10 سنوات

115

30.3

  • من 10 إلي أقل من 15 سنة

77

20.3

  • من 15 إلي أقل من 20 سنة

23

6.1

  • أكثر من 20 سنة

17

4.5

 

  • مناخ الابتكار: تم قياس إدراك الموظفين لمناخ الابتكار علي المستوي الفردي باستخدام ستة عبارات اعتماداً علي Park and Jo (2018) and Scott and Bruce (1994) ويتكون المقياس من بعدين هما: دعم الابتكار ويتكون من ثلاثة عبارات توضح مدى رؤية الأفراد للمؤسسة على أنها داعمة للابتكار، وتوفير الموارد ويتكون من ثلاثة عبارات أيضاً تعكس درجة اعتبار الموارد المخصصة للابتكار كافية في المنظمة.
  • تحمل مخاطرة الخطأ: تم قياس تحمل مخاطرة الخطأ باستخدام أربعة عبارات متبناه من مقياس Rybowiak et al. (1999) لقياس توجهات الموظف نحو الأخطاء. وهو ما يعكس اهتمام الدراسة من خلال قياس تحمل مخاطرة الخطأ كتوجه ذاتي للموظف.
  • السلوك الابتكاري للموظف: اعتمدت الدراسة علي مقياس de Jong and den Hartog (2010) والذي يتكون من ستة عبارات تعكس السلوك الابتكاري.
  • المتغيرات الديموجرافية: بالإضافة إلي متغيرات الدراسة تم قياس عدد من المتغيرات الديموغرافية وهي النوع، العمر، التعليم، عدد سنوات الخبرة المهنية.

ثالثاً: تحليل البيانات والنتائج:

تمهيداً لاختبار فروض الدراسة، تم أولاً تقييم نموذج قياس متغيرات الدراسة كما يلي:

  1. تقييم نموذج القياس:

تم توظيف نموذج التحليل العاملي التوكيدي Confirmatory Factor Analysis للتأكد من جودة نموذج القياس goodness of model fit وأوضحت مؤشرات جودة تطابق النموذج أن نموذج القياس مناسب وصالح للقياس وكانت هذه المؤشرات كالتالي: χ2 = 255.896, χ2/df = 2.611, CFI=0.969, SRMR=0.059, RMSEA=0.065 (Hair, Black, Babin, Anderson, & Tatham, 2014; Thakkar, 2020).

كما تم قياس صدق وثبات نموذج القياس كالتالي:

‌أ.        تحديد اعتمادية معاملات التحميل (Loadings) ويتضح من جدول (2) أن جميع معاملات التحميل مقبولة، حيث يرى Hair et al. (2014) أن قيم معاملات التحميل المقبولة لابد أن تكون مساوية أو أكبر من 0.50.

‌ب.    حساب معامل الثبات المركب (Composite Reliability) ومعامل ألفا كرونباخ (Cronbach’s alpha) للوقوف على ثبات الاتساق الداخلي للمقياس، وكما هو موضح بجدول (2) أظهرت نتائج اختبار الثبات أن معامل ألفا لكرونباخ لكل من دعم الابتكار وتوفير الموارد وتحمل مخاطرة الخطأ والسلوك الابتكاري كان 0.913 و0.760 و0.947 و0.940على الترتيب، ومن ثم فإن جميع معاملات ألفا لكرونباخ مقبولة حيث يرى (Hair et al. (2014 أن قيم ألفا المقبولة تكون أكبر من 0.7 وتشير إلى درجة عالية من الاعتمادية على المقاييس المستخدمة. أما عن ثبات المكونات Composite Reliability (CR) فقد أظهرت نتائج التحليل الإحصائي والتي يوضحها جدول (2) أن جميع قيم (CR) مقبولة، حيث يرى أن قيم (CR) المقبولة لابد أن تكون مساوية أو أكبر من 0.70 (Hair et al., 2014; Thakkar, 2020).

‌ج.    قياس الصدق التقاربي Convergent Validity ويشير إلى المدى الذي تتقارب فيه العبارات التي تقيس البعد أو المتغير، أو يمكن تحميلها معاً على بعد أو متغير واحد، ويتم قياسه عن طريق متوسط التباين المستخرج Average variance extracted (AVE)، والذي لابد أن تزيد قيمته عن 0.50 لكل بعد أو متغير يتم قياسه. وقد أظهرت نتائج التحليل الإحصائي والتي يوضحها الجدول رقم (2) أن جميع قيم (AVE) مقبولة.

‌د.      الصدق التمايزي Discriminant Validity:ويشير إلى المدى الذي يكون فيه كل بعد أو كل متغير مختلف عن البعد أو المتغير الآخر، ويتم قياسه عن طريق الجذر التربيعي لمتوسط التباين المستخرج (square root of AVE)، حيث أنه لابد أن يزيد ارتباط البعد أو المتغير بنفسه عن قيمه ارتباطه بباقي متغيرات الدراسة الأخرى. وقد أظهرت نتائج التحليل الإحصائي والتي يوضحها الجدول رقم (3) أن جميع القيم مقبولة.

 

  1. اختبار الفروض والنتائج:

تم اختبار فروض الدراسة باستخدامSPSS macro PROCESS  الذي أثبت فعاليته حديثاً. يعتمد macro PROCESS علي تحليل انحدار المربعات الصغرى العادي (OLS) لتقدير معلمات كل من المعادلات في النموذج بشكل مستقل، بدلاً من تقديرات الاحتمالية القصوى (MLE) المستخدمة بواسطة نموذج المعادلة الهيكلية Structural Equation Modeling (SEM) وذلك لحل نظام المعادلات بالكامل في وقت واحد من خلال التكرار. وبالتالي فهو يراعي كافة متغيرات النموذج في وقت واحد (Hayes, 2017).على الرغم من هذا الاختلاف بين PROCESS و SEM إلا أنه لا يزال يقدم نتائج مماثلة أو متطابقة. وبالتالي فقد أصبحت طريقة شائعة عبر التخصصات (Hayes, 2017; Hayes, Montoya, & Rockwood, 2017; Hayes & Rockwood, 2020).

 

 

 

 

 

 

 

جدول (2)

معاملات التحميل والثبات والصدق التقاربي

متوسط التباين المستخرج

AVE

معامل الثبات المركب

CR

معامل ألفا كرونباخ

Cronbach’s alpha

معاملات التحميل

Individual loadings

المؤشر

Indicators

المتغير

0.779

0.914

0.913

0.859

SI1

دعم الابتكار

Support for innovation

مناخ الابتكار

Innovation Climate

0.931

SI2

0.857

SI3

0.539

0.777

0.760

0.653

RS1

توفير الموارد

Resource supply

0.818

RS2

0.723

RS3

0.817

0.947

0.947

0.856

ERT1

تحمل مخاطرة الخطأ

Error risk taking

(ERT)

0.910

ERT2

0.934

ERT3

0.913

ERT4

0.728

0.941

0.940

0.874

Inn1

السلوك

الابتكاري للموظف

Innovative behavior

(INNO)

0.901

Inn2

0.789

Inn3

0.866

Inn4

0.809

Inn5

0.875

Inn6

 

 

جدول (3)

مصفوفة الارتباط بين المتغيرات والجذر التربيعي لـ (AVE).

المتغير

دعم الابتكار

توفير الموارد

تحمل مخاطرة الخطأ

السلوك الابتكاري

دعم الابتكار

)0.883(

 

 

 

توفير الموارد

0.705 ***

)0.734(

 

 

تحمل مخاطرة الخطأ

0.532 ***

0.402 ***

)0.904(

 

السلوك الابتكاري

0.423 ***

0.313 ***

0.425 ***

)0.853(

                Notes: (square root of AVE); *p < 0.05; **p < 0.01; *** p < 0.001.

لاختبار فروض الدراسة الحالية تم توظيف النوذج الرابع SPSS macro PROCESS Model 4 و 1000 bootstrap resamples لتوليد فترة ثقة، ويتم دعم الفرض إذا لم تتضمن فترة الثقة "صفر". ويوضح جدول رقم (4) نتائج التحليل الإحصائي لفروض الدراسة.

 

جدول (4)

نتائج نتائج التحليل الإحصائي لفروض الدراسة

التأثيرات المباشرة

تحمل مخاطرة الخطأ

السلوك الابتكاري

b (SE)

95% CI

b (SE)

95% CI

الثابت

1.133 (0.138) ***

]0.862 – 1.404[

1.623 (0.118) ***

]1.390 – 1.856[

دعم الابتكار

0.625 (0.047) ***

]0.532 – 0.717[

0.244 (0.045) ***

]0.154 – 0.332[

توفير الموارد

0.739 (0.75) ***

]0.592 – 0.887[

0.236 (0.063) ***

]0.112 – 0.360[

تحمل مخاطرة الخطأ

 

 

0.215 (0.040) ***

]0.135 – 0.295[

التأثير الكلي لمناخ الإبتكار علي السلوك الإبتكاري:

b (SE)

95% CI

دعم الابتكار ← السلوك الابتكاري

0.378 (0.039) ***

]0.302 – 0.454[

توفير الموارد ← السلوك الابتكاري

0.439 (0.060) ***

]0.321 – 0.556[

التأثير غير المباشرة (الدور الوسيط)

Value (BootSE)

95% CI

دعم الابتكار ← تحمل مخاطرة الخطأ ← السلوك الابتكاري

0.134 (0.028)

]0.077 – 0.193[

توفير الموارد ← تحمل مخاطرة الخطأ ← السلوك الابتكاري

0.202 (0.359)

]0.134 – 0.273[

التأثير غير المباشر ومستوي المعنوية باستخدام Sobel test

Value (SE)

 

دعم الابتكار ← تحمل مخاطرة الخطأ ← السلوك الابتكاري

3.77 (0.0135) ***

 

توفير الموارد ← تحمل مخاطرة الخطأ ← السلوك الابتكاري

3.049 (0.016) **

 

      Notes: *p < 0.05; **p < 0.01; ***p<0.001

 

يتضح من الجدول رقم (4) أن كل من دعم الابتكار (β = 0.625, p< 0.001, 95% CI [0.532, 0.717]) و توفير الموارد (β = 0.739, p< 0.001, 95% CI [0.592, 0.887]) يرتبط إرتباطاً ايجابياً ومعنوياً بتحمل مخاطرة الخطأ. وعليه يتبين قبول الفرض الأول ‌بوجود ‌تأثير ‌معنوي ‌ايجابي‌مباشر لمناخ الابتكار ببعديه دعم الابتكار وتوفير الموارد علي تحمل مخاطرة الخطأ. كذلك تُظهر نتائج التحليل الاحصائي وجود تأثير معنوي ايجابي لتحمل مخاطرة الخطأ علي السلوك الابتكاري للموظف (β = 0.215, p< 0.001, 95% CI [0.135, 0.295]) وعليه‌تشير النتيجة ‌السابقة إلى قبول الفرض الثاني، ‌بوجود ‌تأثير ‌معنوي ‌ايجابي‌مباشر لتحمل مخاطرة الخطأ على السلوك الابتكاري. أما عن التأثير المباشر لمناخ الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف، تشير النتائج إلي وجود تأثير معنوي ايجابي لمناخ الابتكار ببعديه دعم الابتكار (β = 0.244, p< 0.001, 95% CI [0.154, 0.332]) وتوفير الموارد (β = 0.236, p< 0.001, 95% CI [0.112, 0.360]) علي السلوك الابتكاري للموظف، مما يوفر الدعم للفرض الثالث بأن هناك تأثير معنوي ايجابي مباشر لمناخ الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف.

لقياس معنوية الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ في العلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري للموظف تم أولاً الإعتماد علي فترات الثقة bootstrapped confidence intervals والتي تشير إلي معنوية الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ بين مناخ الابتكار ببعدية دعم الابتكار (estimate = 0.134, 95% CI5[0.077, 0.193]) وتوفير الدعم (estimate = 0.202, 95% CI5[0.134, 0.273]) وبين السلوك الابتكار للموظف، حيث أن فترات الثقة علي تحتوي علي "صفر" مما يشير إلي قبول الفرض الرابع. بالإضافة إلي ذلك تم استخدام اختبار (Sobel, 1982) لتحديد معنوية الدور الوسيط. وأوضحت نتيجة الاختبار معنوية الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ بين دعم الابتكار (estimate = 3.771, p< 0.001) و توفير الدعم (estimate = 3.049, p< 0.01) وبين السلوك الابتكاري للموظف، مما يؤكد معنوية الدور الوسيط وقبول الفرض الرابع. ووفقاً للنتائج المعروضة فإن تحمل مخاطرة الخطأ يمثل وسيطة جزئياً في العلاقة بين مناخ الإبتكار والسلوك الإبتكاري حيث التأثير المباشر للمناخ علي السلوك الإبتكاري معنوياً عند توسيط تحمل مخاطرة الخطأ. 

والشكل (2) التالي يوضح ملخص نتائج التحليل الإحصائي لفروض الدراسة:

 

 

 

 

 

 

الشكل (2)

نتائج اختبار نموذج الدراسة

رابعاً: مناقشة النتائج:

  1. مناقشة نتائج الدراسة:     

هدفت الدراسة الحالية إلي زيادة فهم التأثير المباشر وغير المباشر لمناخ الابتكار على السلوك الابتكاري للموظف، تحديداً على المستوي الفردي، من خلال دراسة الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ كأحد آليات التأثير غير المباشر. وقد توصلت نتائج الدراسة إلى وجود تأثير معنوي ايجابي لمناخ الابتكار ببعديه دعم الابتكار وتوفير الموارد علي إقدام موظفي شركات تعهيد الأعمال بالقرية الذكية على تحمل مخاطرة الخطأ (نتائج الفرض الأول). علي الرغم من عدم وجود دراسات سابقة قد ربطت بين مناخ الابتكار وتحمل مخاطرة الخطأ إلا هذه النتيجة تتوافق مع الافتراض النظري من أن مناخ الابتكار ضروري لتحفيز الموظفين لتحمل المخاطر بشكل عام في العمل (Parzefall et al., 2008; Sönmez & Yıldırım, 2019) وبالذات المخاطر المرتبطة بالأخطاء. أحد النتائج الهامة التي يجب أخذها بعين الإعتبار هي المقارنة بين بعدي مناخ الابتكار في التأثير علي تحمل مخاطرة الخطأ. حيث تظهر النتائج أن توفير الموارد له تأثير أكبر من الدعم المدرك، وبالتالي فالموظف يركز أكثر على درجة توفير المنظمة للموارد اللازمة للعمل علي الأفكار الابتكارية مثل الوقت أو الموارد المعرفية كالتعاون بين الأفراد من تخصصات مختلفة، مقارنة بتصوراته لمدي دعم المنظمة للإبتكار. بمعني أخر أن توفير الموارد له قيمة حسية ملموسة يمكن تقيمها مقارنة بإدارك الدعم وبالتالي لها تأثير أكبر علي سلوك الموظفين.

كما تظهر نتائج الدراسة الحالية وجود تأثير معنوي ايجابي لتحمل مخاطرة الخطأ علي السلوك الابتكاري للموظف (نتائج الفرض الثاني). وبهذا فإن الموظفين الذين يظهرون شجاعة وعدم خوف من ارتكاب الأخطاء في سبيل تحقيق أهدافهم يكونون أكثر مشاركة في السلوك الابتكاري. يعكس تحمل مخاطرة الخطأ توجة ايجابي نحو الأخطاء، ولكن لفهم كيفيه تأثيره علي السلوك الابتكاري يجب التفكير فيما هو أبعد من مجرد إعتباره توجة ايجابي أو سلبي. في سبيل ذلك يقدم Farnese, Fida, and Picoco (2020) خلفيتين نظريتين وراء تحمل مخاطرة الخطأ، أولاً بالاعتماد علي الإطار النظري المتعلق بالضغوط الناتجة عن الإخطأ (Stress Framework) ووفقاً لهذا الإطار يعتبر تحمل مخاطرة الخطأ عملية تقيمية تحدث قبل حدوث الخطأ. وبناء علي هذا التقييم للضغوط الناتجة عن حدوث الخطأ؛ يُقدم الموظف علي المخاطرة بإرتكاب الأخطار أو يُحجم عن ذلك. الإطار النظري الثاني الذي يشرح تحمل مخاطرة الخطأ هو إطار التوجهات الشخصية (Attitude Framework) والذي يعتبر تحمل مخاطرة الخطأ عملية إداركية (ليست عاطفية أو سلوكية) تعكس إعتقاد الأفراد بأن الأخطاء تساعد في تحسين القرارات المستقبلية، وثقة في أنه كلما تم اكتشاف خطأ مبكرًا كلما كانت عواقبه أقل، كما تعكس التفكير في أن مراقبة سلوك بشكل شخصي أمر مهم لاكتشاف الإجراءات الخاطئة المحتملة على الفور. وبناء علي ذلك يمكن تفسير العلاقة بين تحمل مخاطرة الخطأ والسلوك الابتكاري بأن الموظف يقوم بتقييم عواقف إرتكاب الأخطاء فإذا كانت هذه العواقب لا تمثل ضغوط علي الموظف يتكون لديه إتجاه ايجابي Attitude، هذا الإتجاة يظهر في سلوك يقوم به الموظف في الحالات التي يرتفع فيها إحتمال إرتكاب الأخطاء مثل الابتكار. ويتضح ذلك لدي الموظفين في شركات تعهيد الأعمال حيث تبين النتائج أن الموظفين الذين ينظرون إلي الأخطاء بنظرة ايجابية ويكون لديهم إستعداد للإستفادة من هذه الأخطاء يظهرون سلوكاً إبتكارياً.

وقبل الحديث عن التأثير غير المباشر بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري، تضيف نتيجة الفرض الثالث مزيداً من الدعم لنتائج الدراسات السابقة التي تبين أهمية مناخ الابتكار في تدعم السلوك الابتكاري للموظفين بالذات علي المستوي الفردي (Popa, Soto-Acosta, & Martinez-Conesa, 2017; Zhang et al., 2018; Shanker, Bhanugopan, Van der Heijden, & Farrell, 2017; Sönmez & Yıldırım, 2018; Zuraik & Kelly, 2018; kruft et al., 2018; Liu, Chow, Zhang, & Huang, 2017).. علي المستوي الفردي يعكس المناخ إدراك الموظف الشخصي لمدي دعم المنظمة للإبتكار وتوفيرها للموارد اللازمة وليس إدعاء المنظمة بأنها تفعل ذلك. بمعني أن المنظمة ربما تتضمن لوائح أو إجراءات لدعم الابتكار لكن لا تنفذها وبالتالي لا يدركها الموظف. فعلى المستوي الفردي، إدراك الموظف الشخصي هو محل الإهتمام وليس ما تدعيه المنظمة أو حتي ما يراه غيره من الموظفين. وبناء عليه فإن الموظفين في شركات تعهيد الأعمال الذين يدركون ويرون بشكل شخصي أن المنظمة تدعم الابتكار يشاركون في السلوك الابتكاري.

أما عن التأثير غير المباشر، تقترح نتيجة الفرض الرابع أن تحمل مخاطر الخطأ يمثل آلية جديدة تفسير التأثير غير المباشرلمناخ الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف. لتفسير هذا الدور الوسيط تتبني الدراسة الإطار النظري المفسر الذي قدمه Rybowiak et al. (1999) الذي يقدم تحمل مخاطرة الخطأ علي أنه يتكون من شقين: الأول أن ينتج عن توجة علي بالإنجاز لتحقيق هدف أسمي، وهذا هو الشق الذي يتأثر بمناخ الابتكار. فعندما يري الموظف أن المنظمة تدعم الابتكار وتقدر المبتكرين فإنه يستجيب سلوكياً بأن يتبني السلوك الابتكاري كهدف بالنسبة له. ثانياً في سبيل تحقيق هذا الهدف يقبل الموظف إرتكاب بعض الأخطاء ويتعامل معها بمورنة وانفتاح من أجل التعلم منها واستخدامها في الوصول إلي هدفه في القيام بسلوك إبتكاري تقدره المنظمة وهذا هو الشق الذي يؤثر علي السلوك الابتكاري للموظف. وبناء علي ذلك يلعب التوجة بالخطأ هذا الدور الوسيط والمفسر للعلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري.

بالذات في شركات تعهيد الأعمال، حيث يتوقع الابتكار من الشركات التي تقوم بخدمات التعهيد (محل إهتمام الدراسة) لأنه هو الشريك الذي لديه المعرفة المتخصصة بالخدمات التي يقدمها. ومن أجل الابتكار، يجرب الموظفون في شركات التعهيد أفكارًا وأساليب جديدة للقيام بالعمل مما يزيد من احتمال حدوث أخطاء. في هذه المرحلة (حيث لا تزال الأخطاء محتملة وليست واقعاً) يساعد مناخ الابتكار الموظفين على التحلي بالشجاعة للمخاطرة بارتكاب بعض الأخطاء لتحقيق الابتكار. علاوة على ذلك، الأخطاء التي تحدث في شركات التعهيد "مزود الخدمة" تعتبر ميزة في ذاتها حيث إذا لم ترتكب وتكتشف الأخطاء في شركات التعهيد سيتم إكتشافها من قبل العملاء في "شركة العميل" مما يضر بسمعة الشركة مقدمة الخدمة.

  1. المساهمة النظرية للدراسة: 

تقدم الدراسة عدة مساهمات في أدبيات سلوك العمل الابتكاري. أولاً، تستجيب هذه الدراسة للنداءات التي تحث على مزيد من العمل لتحسين قبول الموظف للمخاطر وتحسين سلوك العمل الابتكاري على المستوى الفردي (AlEssa & Durugbo, 2021) حيث تتناول نوع مختلف من تحمل المخاطر لم تتناوله الدراسات السابقة وهو تحمل مخاطرة الخطأ وقد توصلت أنه يؤثر بشكل مباشر في السلوك الابتكاري. كما تعتبر العلاقة المباشرة بين مناخ الابتكار وتحمل مخاطرة الخطأ مساهمة نظرية جديدة حيث لم تقم الدراسات السابقة بدراسة هذه العلاقة.

 ثانياً تقدم الدراسة دعماً عملياً جديداً علي التأثير المباشر لمناخ الابتكار علي السلوك الابتكاري للموظف في سياق جديد لم تتم دراسته من قبل وهو شركات تعهيد الأعمال بالقرية الذكية بمصر. وبذلك تساهم الدراسة في التحقق من صحة النتائج السابقة في سياقات عمل مختلفة من أجل تقديم دليل على قابليتها للتعميم (Ryan & Tipu, 2022). كما تتقدم الدراسة خطوة للأمام بدراسة الدور الوسيط لتحمل مخاطرة الخطأ في تفسير هذه العلاقة. وقد أثبتت النتائج معنوية هذا الدور الوسيط والذي يعتبر مساهمة نظرية جديدة في سبيل تحسين فهم هذه العلاقة. ففي المناخ الداعم للإبتكار يفضل الموظفين اقيام بإرتكاب الأخطاء لتحقيق إنجازات في العمل بدلاً من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق والإتكال علي الأخرين.

  1. المساهمة العملية للدراسة: 

تقدم الدراسة الحالية العديد من المساهمات الإدارية للممارسين لفهم وتحفيز السلوك الابتكاري للموظفين. أولاً: تسلط النتائج الضوء على أهمية مناخ الابتكار في تشكيل مواقف الموظفين تجاه مخاطر الخطأ ثم في تعزيز السلوك الابتكاري للموظفين. لذا، فإن بناء مناخ عمل يدعم الابتكار يعد ميزة كبيرة. ولبناء مثل هذا المناخ يجب أن تكون الأوامر التنظيمية أكثر مرونة للسماح بالاختلافات الفردية بين الموظفين، فمن أهم ما يتميز به مناخ الابتكار هو قدرة الموظف علي أن يظهر الاختلافات الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المنظمات تخصيص الموارد والوقت اللازمين للابتكار. حيث يلعب توفير الموارد الدور الأهم في التأثير علي تحمل مخاطرة الخطأ وعلي السلوك الابتكاري. ووفقًا للقياس المستخدم لمناخ الابتكار علي المستوي الفردي (كمناخ نفسي)، يجب على المنظمة ليس فقط صياغة الممارسات الرسمية التي تدعم الابتكار ولكن أيضًا إرسال إشارات واضحة ومتسقة للموظفين تؤكد على دعم المنظمة للابتكار.

علاوة على ذلك، تشير النتائج إلي دور تحمل مخاطرة الخطأ سواء في التأثير المباشر علي السلوك الابتكاري أو كوسيط بين المناخ الابتكاري والسلوك الابتكاري. وبناء عليه هناك دور يقع علي عاتق الإدارة في حالات الخطأ، فيجب أن تقدم الإدارة المثال والنموذج في التعامل مع الأخطاء. على سبيل المثال، مرونة وانفتاح الإدارة في التعامل مع أخطاء الموظفين سيجعل الموظف بدورة يتعامل بمرونة وانفتاح تجاه أخطاؤه الفردية حتي وإذا لم تكتشف من قبل الإدارة. كما يجب علي الإدارة النظر في طريقة الجزاءات أو العقاب علي الأخطاء بحث تجعل الموظف يتخلى عن الخوف والحذر في التعامل مع الأخطاء ويكون أكثر انفتاحا على الابتكار. التعامل مع الاخطاء يجب أن يتم بحذر من قبل الإدارة، فالدراسة لا تدعو إلى قبول الأخطاء في حد ذاتها ولكن تدعو قبول احتمال حدوث أخطاء. بالإضافة إلي ذلك، فإن أحد تفسيرات تحمل مخاطرة الخطأ هو أنها إشارة إلى توجه عالى من الموظف نحو الإنجاز (Rybowiak et al., 1999) ووفقاً لهذا المنظور، يجب على المديرين التركيز على الإنجاز المطلوب في التعامل مع هؤلاء الموظفين، وليس على الأخطاء التي يمكن أن تحدث أثناء العمل على تحقيق هذا الإنجاز.

في نفس السياق، يجب على الإدارة استخدام التدريب على إدارة الأخطاء بدلاً من التدريب على تجنب الأخطاء. حيث في هذا التدريب يتم منح المشاركين فرصًا لارتكاب أخطاء أثناء التدريب ويتم تشجيعهم على استخدام هذه الأخطاء كأداة تعليمية (Keith & Frese, 2005) بهذه الطريقة ، ستكون المنظمة قادرة على إدارة الأخطاء لزيادة النتائج الايجابية، مثل التعلم طويل الأجل والأداء والابتكار (Frese & Keith, 2015). قد تكون النتائج الحالية ذات صلة أيضًا في مثل هذه المشاريع التدريبية حيث يمكن للمدربين استخدام المناخ لتمكين المتدربين من اكتساب الثقة في كفاءتهم في التعامل مع الأخطاء والإستفادة منها بشكل أكثر فاعلية، وبالتالي إفادة كل من الفرد والمنظمة.

  1. محددات الدراسة وإتجاهات البحث المستقبلية:

يجب تفسير النتائج التي توصلت اليها الدراسة بمراعات بعض المحددات. أولاً، تستخدم الدراسة بيانات مقطعية تعكس علاقات الارتباط بين متغيرات الدراسة وليس العلاقات السببية. وبناء عليه يمكن للبحوث المستقبلية أن تتبني تصميمات دراسة أقوى تمكن من التحكم بمتغيرات الدراسة وتأكيد العلاقات السببية. وبالمثل، تم تجميع متغيرات الدراسة في وقت واحد ومن مصدر واحد، فالدراسات المستقبلية يمكن أن تعمل علي جمع البيانات في فواصل زمنية مختلفة ومن مصادر مختلفة.

ثانياً، تم جمع البيانات أثناء أزمة COVID-19، والتي قد تشكل بعض المخاطر على الموظفين. لذلك كان يجب علي هذه الدراسة قياس والتحكم في المخاطر المتعلقة بـ COVID-19. بالذات وأن الدراسة الحالية تهتم بدراسة مخاطر الخطأ لتحفيز السلوك المبتكر للموظفين. في نفس السياق، استخدمت الدراسة نوعًا واحدًا من المخاطر (مخاطر الخطأ) لشرح العلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري. تقترح النتائج أن تحمل مخاطرة الخطأ وسيط  جزئي في العلاقة بين مناخ الابتكار والسلوك الابتكاري وبالتالي هناك إمكانية لدراسة عوامل ومتغيرات أخرى لشرح هذه العلاقة. يمكن للباحثين المستقبليين تحليل الأنواع المختلفة من المخاطر التي قد تؤثر على هذه العلاقة، فمخاطر العمل هو مفهوم عام يشمل العديد من المخاطر (مثل مخاطر ارتكاب الأخطاء Error risk taking والتي تم تناوله في هذا البحث، مخاطر العلاقات الشخصيةinterpersonal risks  أو المخاطر المالية للموظفين Financial risks). فمثلا دراة المخاطر المالية يضيف إلي فهم هذه العلاقة نظرًا لأنه إذا كان الوضع المالي للموظف في خطر، سيكون أكثر تحفظًا وأكثر خوفًا من الإشتراك في سلوكيات إبتكارية. لذلك ، فإن دراسة المخاطر المالية أو السيطرة عليها ستكشف المزيد عن طبيعة هذه العلاقة.

ثالثًا، لم تقم الدراسة بعمل أي تحديد علي الأخطاء علي تقوم بدراستها، فقد تناولت الدراسة تحمل مخاطرة الأخطاء بشكل عام (كل الأخطاء في العمل) وليس تلك الأخطاء المتعلقة بالابتكار على وجه التحديد. وبالتالي يمكن للبحوث المستقبلية التمييز بين الأخطاء التي تحدث في العمل اليومي والأخطاء التي تحدث أثناء الأنشطة الابتكارية تحديداً.

 

 

Agarwal, U. A. (2014). Linking justice , trust and innovative work behaviour to work engagement. Personnel Review, 43(1), 41–73.
Agnihotri, R., Yang, Z., & Briggs, E. (2019). Salesperson time perspectives and customer willingness to pay more: roles of intraorganizational employee navigation, customer satisfaction, and firm innovation climate. Journal of Personal Selling & Sales Management, 39(2), 138–158.
AlEssa, H. S., & Durugbo, C. M. (2021). Systematic review of innovative work behavior concepts and contributions. Management Review Quarterly, 1–38.
Arenas, A., Tabernero, C., & Briones, E. (2006). Effects of Goal Orientation, Error Orientation and Self-Efficacy on Performance in an Uncertain Situation. Social Behavior and Personality: An International Journal, 34(5), 569–586.
Behling, O., & Law, K. S. (2000). Translating questionnaires and other research instruments: Problems and solutions (Vol. 133). sage.
Bos-Nehles, A. C., & Veenendaal, A. A. R. (2019). Perceptions of HR practices and innovative work behavior: the moderating effect of an innovative climate. The International Journal of Human Resource Management, 30(18), 2661–2683.
Bos-Nehles, A., Renkema, M., & Janssen, M. (2017). HRM and innovative work behaviour: A systematic literature review. Personnel Review, 46(7), 1228–1253.
Chan, I. Y. S., & Liu, A. M. M. (2012). Antecedents of innovation climate in construction firms in Hong Kong. International Journal of Construction Management, 12(4), 37–46.
Chan, I. Y. S., Liu, A. M. M., & Fellows, R. (2014). Role of leadership in fostering an innovation climate in construction firms. Journal of Management in Engineering, 30(6), 6014003.
De Jong, J., & Den Hartog, D. (2010). Measuring innovative work behaviour. Creativity and Innovation Management, 19(1), 23–36.
De Jong, J. P. J., Parker, S. K., Wennekers, S., & Wu, C. (2011). Corporate entrepreneurship at the individual level: measurement and determinants. EIM Research Reports. Zoetermeer: EIM, 11, 13.
Farnese, M. L., Fida, R., & Picoco, M. (2020). Error orientation at work: Dimensionality and relationships with errors and organizational cultural factors. Current Psychology.
Foster, J. (2010). Productivity, creative destruction and innovation policy: Some implications from the Australian experience. Innovation: Management, Policy and Practice, 12(3), 355–368.
Frese, M., & Keith, N. (2015). Action errors, error management, and learning in organizations. Annual Review of Psychology, 66, 661–687.
Ghosh, K. (2015). Developing organizational creativity and innovation. Management Research Review, 38(11), 1126–1148.
Guo, Y., & Jin, K. (2019). How Empowerment and Innovation Climates Influence Employees’ Innovative IS Use: The Mediating Role of Thriving. International Journal of Enterprise Information Systems (IJEIS), 15(4), 26–42.
Hair, J. F., Black, W. C., Babin, B. J., Anderson, R. E., & Tatham, R. L. (2014). Pearson new international edition. Multivariate Data Analysis, Seventh Edition. Pearson Education Limited Harlow, Essex.
Hayes, A. F. (2017). Introduction to mediation, moderation, and conditional process analysis: A regression-based approach. Guilford publications.
Hayes, A. F., Montoya, A. K., & Rockwood, N. J. (2017). The analysis of mechanisms and their contingencies: PROCESS versus structural equation modeling. Australasian Marketing Journal, 25(1), 76–81.
Hayes, A. F., & Rockwood, N. J. (2020). Conditional process analysis: Concepts, computation, and advances in the modeling of the contingencies of mechanisms. American Behavioral Scientist, 64(1), 19–54.
Jalonen, H. (2012). The uncertainty of innovation: a systematic review of the literature. Journal of Management Research, 4(1), 1.
James, L. R., Choi, C. C., Ko, C.-H. E., McNeil, P. K., Minton, M. K., Wright, M. A., & Kim, K. (2008). Organizational and psychological climate: A review of theory and research. European Journal of Work and Organizational Psychology, 17(1), 5–32.
Kang, J. H., Matusik, J. G., Kim, T.-Y., & Phillips, J. M. (2016). Interactive effects of multiple organizational climates on employee innovative behavior in entrepreneurial firms: A cross-level investigation. Journal of Business Venturing, 31(6), 628–642.
Keith, N., & Frese, M. (2005). Self-regulation in error management training: emotion control and metacognition as mediators of performance effects. Journal of Applied Psychology, 90(4), 677.
Kermani, Z. J., & Solhdoost, F. (2016). Relationship between innovation climate and innovative behavior of librarians: Case study in Organization of Libraries, Museums and Documentation Center of Astan Quds Razavi. International Journal of Information Science and Management (IJISM), 15(1).
Kruft, T., Gamber, M., & Kock, A. (2018). Substitutes or complements? The role of corporate incubator support and innovation climate for innovative behavior in the hosting firm. International Journal of Innovation Management, 22(05), 1840006.
KRUFT, T., GAMBER, M., & KOCK, A. (2018). Substitutes or Complements? the Role of Corporate Incubator Support and Innovation Climate for Innovative Behavior in the Hosting Firm. International Journal of Innovation Management, 22(05), 1840006.
Liu, F., Chow, I. H.-S., Zhang, J.-C., & Huang, M. (2019). Organizational innovation climate and individual innovative behavior: exploring the moderating effects of psychological ownership and psychological empowerment. Review of Managerial Science, 13(4), 771–789.
Liu, F., Chow, I. H. S., Zhang, J. C., & Huang, M. (2017). Organizational innovation climate and individual innovative behavior: exploring the moderating effects of psychological ownership and psychological empowerment. Review of Managerial Science, 1–19.
Mehmood, M. S., Jian, Z., & Waheed, A. (2019). The influence of entrepreneurial leadership on organisational innovation: mediating role of innovation climate. International Journal of Information Systems and Change Management, 11(1), 70–89.
Minh Ngoc, N., & Cliquet, G. (2019). Innovation Climate in Plural Form Franchise Networks: The Mediator Role of Mutual Learning. In J. Windsperger, G. Cliquet, G. Hendrikse, & M. Srećković (Eds.), Design and Management of Interfirm Networks: Franchise Networks, Cooperatives and Alliances (pp. 13–32). Cham: Springer International Publishing.
Newman, A., Round, H., Wang, S., & Mount, M. (2020). Innovation climate: A systematic review of the literature and agenda for future research. Journal of Occupational and Organizational Psychology, 93(1), 73–109.
Ortt, J. R., & Smits, R. (2006). Innovation management: different approaches to cope with the same trends. International Journal of Technology Management, 34(3–4), 296–318.
 
 
Ostroff, C., Kinicki, A. J., & Tamkins, M. M. (2003). Organizational culture and climate. In Handbook of psychology:  Industrial and organizational psychology, Vol. 12. (pp. 565–593). Hoboken,  NJ,  US: John Wiley & Sons Inc.
Park, S., & Jo, S. J. (2018). The impact of proactivity, leader-member exchange, and climate for innovation on innovative behavior in the Korean government sector. Leadership & Organization Development Journal.
Parzefall, M.-R., Seeck, H., & Leppänen, A. (2008). Employee innovativeness in organizations: a review of the antecedents. Finnish Journal of Business Economics, 2(08), 165–182.
Popa, S., Soto-Acosta, P., & Martinez-Conesa, I. (2017). Antecedents, moderators, and outcomes of innovation climate and open innovation: An empirical study in SMEs. Technological Forecasting and Social Change, 118, 134–142.
Rausch, A., Seifried, J., & Harteis, C. (2017). Emotions, coping and learning in error situations in the workplace. Journal of Workplace Learning, 29(5), 370–389.
Rybowiak, V., Garst, H., Frese, M., & Batinic, B. (1999). Error Orientation Questionnaire (EOQ): Reliability, validity, and different language equivalence. Journal of Organizational Behavior, 20(4), 527–547.
Schlegel, D. (2015). Research Philosophy and Ethics. In Cost-of-Capital in Managerial Finance: An Examination of Practices in the German Real Economy Sector (pp. 97–106). Cham: Springer International Publishing.
Scott, S. G., & Bruce, R. A. (1994). Determinants of innovative behavior: A path model of individual innovation in the workplace. Academy of Management Journal, 37(3), 580–607.
Shanker, R., Bhanugopan, R., Van der Heijden, B. I. J. M., & Farrell, M. (2017). Organizational climate for innovation and organizational performance: The mediating effect of innovative work behavior. Journal of Vocational Behavior, 100, 67–77.
Sobel, M. E. (1982). Asymptotic confidence intervals for indirect effects in structural equation models. Sociological Methodology, 13, 290–312.
Sönmez, B., & Yıldırım, A. (2018). The mediating role of autonomy in the effect of pro-innovation climate and supervisor supportiveness on innovative behavior of nurses. European Journal of Innovation Management, EJIM-05-2018-0088.
Sönmez, B., & Yıldırım, A. (2019). The mediating role of autonomy in the effect of pro-innovation climate and supervisor supportiveness on innovative behavior of nurses. European Journal of Innovation Management.
Thakkar, J. J. (2020). Structural Equation Modelling: Application for Research and Practice (with AMOS and R) (Vol. 285). Springer Nature.
Tjosvold, D., & Yu, Z. (2007). Group risk taking: The constructive role of controversy in China. Group & Organization Management, 32(6), 653–674.
Yuan, F., & Woodman, R. W. (2010). Innovative behavior in the workplace: The role of performance and image outcome expectations. Academy of Management Journal, 53(2), 323–342.
Zhang, Y., Zheng, J., & Darko, A. (2018). How does transformational leadership promote innovation in construction? The mediating role of innovation climate and the multilevel moderation role of project requirements. Sustainability (Switzerland), 10(5).
Zhao, B., & Olivera, F. (2006). Error reporting in organizations. Academy of Management Review, 31(4), 1012–1030.
Zuraik, A., & Kelly, L. (2018). The role of CEO transformational leadership and innovation climate in exploration and exploitation. European Journal of Innovation Management.